جاري التحميل

العوامل التي ساعدت على العمل التنصيري

العوامل التي ساعدت على العمل التنصيري

كتبت الكاتبة أمل عاطف محمد الخضري في كتاب ( التنصير في فلسطين في العصر الحديث ) في هذا الموضوع

الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة ( 1439هـ - 2018م)

فقالت:

بالرغم من أن التنصير قام وفق خطط نصرانية بحتة، إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي توافرت في الشعوب الإسلامية، أو أُوجدت فيها، أدت إلى تسهيل مهمة المنصرين في اختراق صفوف المسلمين لتحقيق أهدافهم، وأهم تلك العوامل:

* أولاً  ـ العامل البشري:

قـد يستغرب البعض مـن أن مجموعـات من الشعوب المسلمة يمكن أن تساند التنصير، ولكن بالنظر إلـى الأصناف التالية مـن الناس، يتبيـن لنا مدى الخطورة التي تدفع هؤلاء الأفراد إلى مساندة التنصير بقصد أو بغير قصد، والأصناف هي:

الصنـف الأول ـ الأجراء: وهم الذين باعوا أنفسهم لأعداء الله مقابل منفعة أو منصب أو شهوة، وما كل ذلك إلا سراب يلهثون خلفه ما يغني عنهم من الله شيئاً، فمن هؤلاء من يطبق خطط أعداء الإسلام السياسية والاقتصادية، ومنهم ضعاف النفوس ممـن يبـرر للمنصرين أعمالهم، ويسهل لهم مصالحهم، وقد يلتمسون لهم الحجج، ومن أخطر ما يقوم به هؤلاء تنفير الجيل الناشئ من الإسلام ومبادئه وإبعادهم عنه، بتشويه صورته، وبإقناعهم بعدم جدوى ما عليه آباؤهم من التزام بالمبادئ الإسلامية، والتي قاموا بتصويرها لهم على أنها مفاهيم خاطئة ورجعية، وأن الحق ما يدعون إليه فقط من مفاهيم تساير المدنية الزائفة.

الصنف الثاني ـ الخارجون: وهؤلاء هم من خرج عن الصف الإسلامي بصورة كليـة أو جزئيـة، وعلى رأسهم المثقفون بثقافة المنصرين، والمستشرقين، والمستعمرين، حيـث يقدمـون هـذه الثقافة في ثوب وطني، وتتمثل خطورة عملهم هذا باستيرادهم للمذاهب الفكرية الغربية والغريبة عن مبادئ الإسلام، ثم تقديمها للمسلمين بأقلامهم وأسلوبهم على اعتبار أنها تمثل التقدم المادي للحياة الإنسانية، وما هي في الحقيقة إلا سموم يقطر منها الإلحاد، والتنكر للدين والوطن، والتقليل من عظمة التاريخ الإسلامي، ومجده.

الصنف الثالث ـ المتهاونون: وهم الذين لا يبالون بما يجري حولهم، ويُسخِّرون ما وهبهم الله مـن طاقـات فكريـة ونفسية وجسدية في سبيل الحصول على متاع الدنيا الزائف، والذي يغترون به، فلا يبالون بعد ذلك بالأثر المترتب على تهاونهم، فقد يوجد من هو سليم العقيدة ملتزم بما شرع الله من عبادات، ومع ذلك فلا مانع لديه من ترويج كتـب الإلحـاد والكفـر وإفساد الأخـلاق ونشـر المفاسد، طالمـا أنها تدر عليهم الربح الوفيـر، أو المتاجـرة بالمحرمات الشرعية أو ما يساعد على نشر الفحش والرذيلة، وقد يوجـد مـن يرضون بحكم الأعداء، إذا كان ذلك وسيلة لتسيير مصالحهم التجارية أو الوظيفية، وقـد تـرى مـن لا يجد غضاضة في تسليم فلذات كبده إلى أيدي المنصرين في مدارسهم، رغبة منهم في إتقان أبنائهم للغة الإنجليزية، لأنها لغة العصر ولغة التفاهم ولغـة المصالـح التجاريـة، وما يـدرون أنهم بذلك يسلمون أبناءهم لأعداء الإسلام، يربونهم تربية معادية للإسلام والمسلمين دون أن يشعروا.

وهؤلاء المتهاونون لا تقل خطورتهم عمن سبقهم، إن لم يكونوا أشد خطراً، لأنهم يمثلون الغالبيـة داخـل الشعـوب الإسلاميـة، وهم بتهاونهم هذا يجعلون من أنفسهم حقولاً خصبة للمنصرين يزرعون فيها ما يشاءون.

الصنف الرابع ـ المتصدون لقيادة الدعوة إلى الله: وهؤلاء الذين يأمرون بالمعروف وينهـون عن المنكـر، ويُعتمـد عليـهم في بيان أحكام الدين، ومع ذلك فهم جاهلون بحقيقة الإسلام، أو جاهلون بطرق الدعوة إليه والعمل له، ومع جهلهم هذا فهم متمسكون بما يرون من فكر غير صحيح عن الإسلام والدعوة إليه، الأمر الذي يجعلهم يقدمون صورة مشوهة للإسلام، وهم بعملهم هذا يساهمون في مساعدة أعداءالإسلام من المنصرين وغيرهم على بث الفكر المعادي للإسلام دون أن يشعروا([1]).

كما لا يخفى أن عدم وجود من يتصدى لهؤلاء المنصرين ـ بصورة رسمية ـ يدفعهم إلى التمادي في غيهم وضلالهم، وبالرغم من الكثير من الكتابات التي كُتبت تبين حقيقة التنصير وتحذر منه إلا أنها لم تصل إلى درجة تؤهلها للقضاء عليه، ما لم تتكاتف كل القوى الإسلامية، والقوى الرسمية الحاكمة، للقضاء على تحالف الصليبية الصهيونية الموحد ضد الإسلام باسم التنصير.

*  *  *

* ثانياً ـ العامل السياسي:

يعتبر الاستقرار السياسي حصن حماية للدول بصورة عامة، لذلك فإن الصراعات فـي العالم الإسلامي دائماً تجـد مـن يؤجـج نارها باستمرار، كما تحاك المؤامرات لإثارة الفتن بين الدول الإسلامية فيما بينها، أو لإثارة النعرات والعصبيات الطائفية في الدولة الواحدة، وما ذلك إلا لما يجنيه الأعداء من ثمار الحروب ومنها ثمن السلاح المُصنَّع في بلاد الأعداء، والذي يباع للمسلمين للمساهمة في الاقتتال الداخلي، وما أن يعم الضرر حتـى يبادر الأعـداء إلى تقديم القروض الربوية لإصلاح ما نجم عن أضرار الحرب، إضافة إلـى الآثـار الدينيـة والفكريـة المترتبـة على ما يقوم به المنصرون وأتباعهم، من زعزعة للعقائد، وطمس للثقافات بنشر الأنماط الغربية التي تشمل جميع نظم الحياة في الدول الإسلامية، والتي جعلها الاستعمار مرتعاً واسعاً للمنصرين يعيثون فيها الفساد([2]).

والدول الإسلاميـة بوضعهـا الحالي، وإن كانت تبدو للعيان أنها مستقلة بذاتها وكيانها، فهي مستعمرة فكرياً واقتصاديـاً، ولا تستطيع أن تحرك ساكناً أمام إملاءات المستعمـر الخفي الذي يحاول جاهداً ابقائها مضطربة سياسياً، فلا هي نالت استقلالها، وحكمت بما شرع الله، ولا هي مستعمرة على أرض الواقع، حتى تثور عليها الشعوب، وتعلـن الحرب ضـد المستعمر، وهـذا ما يبحث عنه المنصرون، وقد سبق بيان العلاقة بين الاستعمار والتنصير.

*  *  *

* ثالثاً ـ العامل الاقتصادي:

يلعـب الاقتصـاد دوراً لا يقـل أهميـة عن دور العامل السياسي، فلا أحد ينكر الروابط المتينة بين المؤسسات الاقتصادية النصرانية وبرامجها، وبين الإرساليات التنصيرية التي تهدف إلى تجريد المسلمين من عقيدتهم الصحيحة، ومعلوم أن المنصرين لا يتركونشيئاً دون استغلال، فهم يحسنون استغلال احتياجات الناس من طب، وتعليم، وخدمات اجتماعية([3]) ويبدو ذلك من خلال النقاط التالية:

1 ـ                   عمـل الاستعمـار على تسخير البرامج الاقتصادية لمصلحة التنصير، فلطالما وضعت العراقيل، أمام النهضة الاقتصادية والحضارية، للحيلولة، دون نموها،وتطورها في العالم الإسلامي، وما يترتب عن هذا الركود من فرض الرسوم الباهظة على التعليم والعـلاج مما يؤدي إلـى زيادة علـى معاناة الشعوب، وهذا يؤدي بدوره إلى استفحال المرض، وانتشار الفقر، والجهل، وبالتالي ينهار الاقتصاد([4])، لضعف الثروة البشرية وعدم المقدرة علـى استغـلال خيـرات البلاد، ثم تفتح الأبواب للمنصرين القادمين بصورة الملاك المنقذ ليعرضوا خدماتهم المجانية الطبية في مستشفياتهم، وخدماتهم التعليمية في مدارسهم الداخلية، كما لا يفوتهم خلق فرص عمل لإنقاذ الوضع الاقتصادي للبلاد، الأمر الذي يسهل على المنصرين بث دعوتهم في قلوب هذه الشعوب.

2 ـ                   سعي قادة المنصرين لتطويع بعض الخطط الاقتصادية الحيوية ـ التي تعرض لإحداث الإصلاح الداخلي في بلاد المسلمين ـ لصالح التنصير، وها هو «زويمر» يشجع على تطوير وسائل المواصلات بين أقطار العالم الإسلامي، ويبين كيف يمكن للمنصرين استغـلال ذلك([5]) فيقـول: «إن القطـار الذي يربط الشام بالحجاز سوف يسهل أعمال المنصرين كثيراً»([6]).

3 ـ                   التدخـل الشديد من قبل المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنـك الدولـي، فمثلاً صندوق النقد يدعم حوالي ستين مشروعاً للحد من النسل في ثلاثة وأربعين دولة، بهدف تحسين الاقتصاد، وهم يطمحون إلى تحقيق دعوة المنصرين إلى الحد من تزايد المسلمين بعد أن فشلوا في تنصيرهم، كما تسعى إدارة البنك الدولي إلى إغراق الدول النامية بالديون لتقضي على الفقر فيها، وما تهدف إلا للسيطرة عليها، كما دعا البنك إلى إلغاء الحواجز التجارية والمالية بين دول العالم فانتعشت سوق التنصيـر، وذلك باستغلال إلغـاء الحواجـز فسوقـت كتب التنصيـر وبرامجه واتسعت مؤسساته.

4 ـ                   عـرض خطـط وبرامـج تطوير دولية عالمية لتحسين أوضاع الدول الفقيرة بعيداً عن النهج الإسلامـي القويـم، ونتيجة الغرق في الديون والفقر والجهل والمرض فإن الدول الفقيرة ـ والتي تسمى الدول النامية ـ تسارع إلى الاستعانة بالخبراء والفنيين مـن أوروبا وأمريكـا، وقد استغل المنصرون هذه الفرص وبادروا إلى إرسال منصرين متخصصين متدربين بلباس الفنيين والخبراء إلى تلك الدول، لتطوير عمليات التنصير ولن تكون بحال تطوير لاقتصاد البلد طالما أنها بعيدة عن شرع الله([7]).

هذه أهم العوامل التي ساعدت على انتشار التنصير في دول العالم الإسلامي بما فيها فلسطين، مع استمرار وقوع فلسطين في قبضة الاستعمار إلى اليوم، ذلك الاستعمار الذي هو نفسه كـان وسيلة لخطة الفصل بين شقي العالم الإسلامي شرقه وغربه، تآزر على تنفيذها كل من المستعمر والمنصر والمستشرق.

 

 

p p p 

 

 

 

 



([1])   انظر: أجنحة المكر الثلاثة: الميداني ـ ص: 51 ـ 55.

([2])   انظر: دور الاقتصاد والسياسة في خدمة أهداف التنصير ـ ياسر قارئ ـ البيان ـ العدد: 96 ـ شعبان ـ 1416ﻫ ـ يناير ـ 1996م ـ بريطانيا ـ ص: 73 ـ 75.

([3])   انظر: المرجع السابق ـ ص: 68.

([4])   انظر: المرجع السابق ـ ص: 70.

([5])   انظر: دور الاقتصاد: قارئ ـ ص: 70، 71.

([6])   انظر: المرجع السابق ـ ص: 71.

([7])   انظر: المرجع السابق ـ ص: 72، 73.

الموضوعات