المراحل التي مر بها العمل التنصيري
المراحل التي مر بها العمل التنصيري
كتبت الكاتبة أمل عاطف محمد الخضري في كتاب ( التنصير في فلسطين في العصر الحديث ) في هذا الموضوع
الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة ( 1439هـ - 2018م)
فقالت:
مـر التنصير منذ نشأته إلى يومنا هذا بمراحل مختلفة، تنوعت من خلالها أهداف التنصير، ووسائله، ومدى تأثيره، وهذه المراحل هي:
* المرحلة الأولى ـ مرحلة التنصير المباشر أو العلني:
كانـت بداية هـذه المرحلة مـع بدايـة التنصير، وقد اعتمدت بشكل أساس على الدعوة العلنية المباشرة لاعتناق الدين النصراني، وذلك عبر المنشورات، والمطبوعات، والمناظرات، التي كانت تعقد لتزيين العقيدة النصرانية، والدفاع عنها أمام علماء المسلمين، وعامتهم، ويعتبر المنصر «هنري مارتن»، والمنصر «كارلي كوثليل فندر» مؤلف كتاب «ميزان الحق» ـ الذي كان يقف مناظراً أمام الشيخ «رحمة الله الهندي» ـ هما رائدا تلك المرحلة من خلال مناظراتهما، ولم ييأس المنصرون من فعالية أسلوبهما وتأثيره، مع أنه لم يجذب سوى عدد قليل جداً من المسلمين، لذلك كان المنصرون يتواصون فيما بينهم لاكتساب المزيد من المهارة، والدقة، والحكمة، في طرح الدعوة للتنصير بصورةمباشرة، وذلك لأنها «وسيلة من وسائل الرب للتنصير بالجملة»([1]).
وأما المنصران «صمويل زويمر»، و«فريد كورسيل» فقد سلكا مسلكاً آخر في الوقت نفسه، فاتجها إلى العمل على كسب صداقات مع أفراد من المسلمين، أو جماعات صغيـرة منهم، تمكنا مـن خلالها إجراء حوارات دبلوماسية، عرضا من خلالها الدعوة إلى النصرانية، كمـا تمكنا من تقديـم الإنجيل إلى الناس بصورة ودية، وقد تميز كل من «زويمـر»، و«كورسيل» ببراعـة فـي عقد تلك اللقاءات، وتعتبر وسيلة الحوار في نظر «زويمر» في تلك المرحلة، هي الوسيلة الأمثل لكسب قلوب المؤمنين([2]).
* * *
* المرحلة الثانية ـ مرحلة التنصير الشامل أو المنظم:
تعتمد هذه المرحلة على نشر الجو النصراني العام بكل ما يحمله من عقائد، وفكر، وأدب، بصورة منظمة بين المسلمين، وذلك من خلال المؤسسات الطبية، والخيرية الإنسانية، والتعليمية، والأكاديمية، حيث تنشر المؤسسات الطبية، والإنسانية، المحبة النصرانية، وتنشر المؤسسات التعليمية، العقائد، والفكر، والأدب النصراني، بحيث يصبح ذلك مألوفاً في الأوساط الإسلامية وقد فتحت هذه المؤسسات المجال أمام المسلمين لقراءة الإنجيـل، مـن خلال الدروس الدينية في المدارس التنصيرية، دون أن يعرض عليهم بصورة مباشرة تدعو للريبة، ومع ذلك فلم تُحْدِث وسائل تلك المرحلة التأثير النصراني الشامـل العـام الإيجابي الذي كان مُتَوقَعاً أن يحدث، عبر منهج منظم موضوع من قبل المنصرين، ويحيل المنصرون فشل التنصير في عدم جذب الكثير من المسلمين إلىالنصرانية فـي تلك المرحلة إلى سوء الإدارة، وعدم استغلال جميع الوسائل المتاحة للمنصرين في تلك المؤسسات([3]).
ومـع ذلك فـإن هـذه المرحلة ما هـي إلا تمهيد للمرحلة القادمة، إذ هيأت الجو العام لتقبل الفكر النصراني، وأدبياته، ومن ثَم أصبح المجتمع المسلم مهيئاً للتعبئة التغريبية.
* * *
* المرحلة الثالثة ـ مرحلة التنصير غير المباشر أو التسلل:
وهـذه أخطـر المراحل إذ تتمثل في اختراق الإسلام لهدمه، ومن ثَم تنصير كل المسلمين، فالتسلل في نظر المنصرين هو «القوة الصامتة وغير المرئية التي لا تدخل في أي جـدال ولا تقبـل أي اعتذار وعلـى الرغم من ذلك تنتقل من خلال العقل إلى القلب والضمير لتحدث معجزة التنصير»([4]).
وتعتمد هذه المرحلة على استخدام شتى وسائل الإعلام، فكانت البداية بتطوير المطبوعات، وليس إعـادة طباعتهـا، فما كان يناسب المرحلة الأولى لا يناسب المرحلة الحديثة، كما زاد الاهتمام بالكتابات المختلفة التي تعج بالأدب النصراني، ثم انتقل التركيز على الإذاعة المسموعة التي يعقد عليها المنصرون الآمال العظام، ولا يخفى أن الإذاعة المسموعة المرئية بدأت تأخذ دورها، وتشق طريقها، وخاصة بعد انتشار الفضائيات.
ويتم التسلل بالمضامين النصرانية المغلفة بالأشكال، والأنماط الثقافية الإسلامية، وبمفهوم أوضح، أي الدعوة لتغريب الإسلام، وثقافته، وأدبياته، وتنصيرها، فتتسلل هذه المضامين إلـى عقل المسلم، ووجدانه، لتقتلعه من الإسلام، وتقتلع منه الإسلام، ويـرى المنصرون أن ذلك أقل عداءً مـن الوعـظ المباشر، أي أن المنصر يمكنه أن يدعو بفعالية، وجرأة، وإقناع أكثر من ذي قبل([5]).
وتـزداد خطورة هـذه المرحلة مـع سرعة انتشار الاتصال عبر شبكة المعلومات الدولية، جنباً إلـى جنب مـع الفضائيـات التنصيرية، وغير التنصيرية، والتي تُنشر من خلالها جميـع العقائـد، والمفاهيم النصرانية، وكل ما يريد المنصرون إيصاله للمسلمين، دون أن يدخل أحد منهـم فـي جدال عقيم، أو حوار مباشر، الأمر الذي أحدث فعلاً أثراً كبيراً في صفوف المسلمين، حيث حصد المنصرون بعض ما كانوا يرجون من نتائج عبـر سنوات طوال، فقـد أوجـدوا ما يريـدون حقاً، وهو المسلم النصراني، أي المسلم اسماً النصرانـي فكراً وثقافةً وأخلاقاً، وهـذا ما سعـى إليه المنصرون، بكل جدية، فلما ركزوا العمل جنوا الثمار، ونحن أكثرنا الكلام فجنينا الدمار.
* * *