أهم الفرق النصرانية في فلسطين والعلاقة بينها
أهم الفرق النصرانية في فلسطين والعلاقة بينها
كتبت الكاتبة أمل عاطف محمد الخضري في كتاب ( التنصير في فلسطين في العصر الحديث ) في هذا الموضوع
الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة ( 1439هـ - 2018م)
فقالت:
تبين مما سبق أن عيسى عليه السلام بُعث في فلسطين، داعياً إلى التوحيد، وآمن به أتباعه، واستمروا على الإيمان فترة من الزمن، بالرغم من ظهور أصحاب البدع العقائدية، حتى فُرضت على النصارى عقيدة التثليث، اعتماداً على ما قررته المجامع السابق ذكرها، وما هي إلا قرارات بشرية، ما أنزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان، وما أمر أحداً من رسله عليهم السلام بالدعوة إلى الشرك قط، ولأنها قرارات بشرية فلم يستقر وضع النصارى عليها إذ احتدم الخلاف بين البطاركة والأساقفة، وكلما ظهر مخالف أومعترض على قرارات أي مجمع، فإنه يصدر في حقه قرار باللعن والحرمان والطرد، وقد نالت هذه العقوبات كل من يتبع هذا المخالف، ثم ينفصل هذا المخالف بكنيسةٍ مستقلة، وبدعة جديدة، وأتباعه معه يساندونه ويدافعون عنه، وهكذا تتابع الانفصال والانشقاق عن الكنيسة الأم، إلى أن نشأت فرق عديدة متناحرة متضاربة يكفّر بعضها بعضاً، وما كان ذلك إلا بسبب اتباع الهوى وغواية الشيطان، ومخالفة أوامر الله سبحانه وتعالى، فانحرفـوا عـن الطريـق المستقيـم([1]). قـال تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّـهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾[المائدة: 14] وقـال تعـالـى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾[المائدة: 77] وقـال تعالى: ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[البقرة: 257].
وحتى يصبح الحديث عن الفرق النصرانية في فلسطين ميسوراً، لا بد من معرفة كيفية نشأة هذه الفرق منذ البداية([2])، ولما كانت البداية في فلسطين فإن هذه الفرق سواء أكانت قديمة أم حديثة، كان لها وجود في فلسطين أو ما زال.
ففـي مجمـع نيقية بدا ظاهراً انحياز الملك قسطنطين إلى رأي المشاركين القائلين بالتأليه، مع أن معظم الأساقفـة كانوا ينكرون التأليه، وسارت باقي المجامع على نفس المنوال تدعم الأفكار المنحرفة، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن أغلب النصارى، كانوا قبل مجمع نيقية مختلفين، لدرجة أنهم كانوا غير قادرين على تحديد ماهية التوحيد عندهم. حيث استطاع أباطرة الرومان وعلى رأسهم «قسطنطين» أن يطمسوا ما بقي من نور التوحيد، بفرض التثليث عقيدة رسمية للنصارى([3]). ومن هنا يتبين أن النصرانية مرت بفترتين رئيستين:
الفترة الأولى: عصر ما قبل مجمع نيقية.
الفترة الثانية: عصر ما بعد مجمع نيقية.
وفيما يلي بيان للفرق التي ظهرت في كلتا الفترتين:
أولاً ـ الفرق التي ظهرت قبل مجمع نيقية([4]):
اختلطت الفرق الموحدة بالفرق المشركة في تلك الفترة، ومن الملاحظ أن هذه الفرق كانت تسمى بأسماء أصحابها، ويمكن تقسيم هذه الفرق إلى قسمين:
أ ـ الفرق الموحدة:
1 ـ فرقة كوبركراتس: ويرى هو وأتباعه أن المسيح عليه السلام هو إنسان عادي كباقي البشر، ولا يمتاز عليهم إلا بقوته([5]).
2 ـ الفرقة البوليانية: وكان على رأس هذه الفرقة «بولس الشمشاطي» الذي كان بطريركـاً علـى الإسكندرية، ومن الموحدين، ويعتقد أن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله، كأحد الأنبياء عليهـم السلام، خُلق مـن مريم بلا ذكر، وهو عبد صالح مخلوق لا إلهية فيه، ويسمى ابناً من باب التشريف والتكريـم والمحبة، وعندما يسأل ما الكلمة وروح القدس؟ فإنه يتوقـف ويقـول: لا أدري، ويطلق على فرقته هذه «البوليانية»، ويسمى أتباعه «البوليانيون»([6]).
3 ـ الفرقة المرقولية: يعتقد أتباعها أن المسيح عليه السلام هـو ابن الله على جهة الرحمة، كما يقال إبراهيم عليه السلام خليل الله([7]).
4 ـ فرقة الأبيونيين: وهم أتباع «أبيون»، يؤمنون بشريعة موسى عليه السلام ، ويعتقدون أن المسيح عليه السلام بشر، وأنه هو المسيح المنتظر المبشر به في أسفار العهد القديم، كان لهذه الفرقة إنجيلاً خاصاً بها، ثم انقرضت فرقة «الأبيونيين» في أواخر القرن الرابع الميلادي([8]).
ومن الفرق التي صنفت على أنها من فرق الموحدين([9])، كانت:
الفرقـة الآريوسية: وتنسب إلـى «آريوس»، وهو قسيس بالإسكندرية في زمن «قسطنطين الأول»، ويرى أن القديـم هـو الله، وأما المسيح فهو مخلوق، ويعتقد أن الله كان ولم يكن الابن، ثم أحدث الابـن فكـان كلمة، إلا أنه مخلوق قبل العالم، ثم فوض الله الأمر إلى ذلك الابن فكان هو خالق السماوات والأرض وخالق كل الأشياء.
وسُمي أتباعه «الآريوسيين»، وانتشروا في القسطنطينية، وأنطاكية، وبابل، وفلسطين، ومقدونيـة، والإسكندريـة، وكانت بدعة «آريوس» هي السبب في عقد «مجمع نيقية»، إذ تبرأ منه البطاركة لمخالفته لهم في المعتقد.
وقد انقرضت هذه الفرقة في أواخر القرن الخامس الميلادي([10]).
وترى الباحثة أنه لا يمكن تصنيف «آريوس» وأتباعه ضمن الموحدين، إذ كيف يكون من الموحدين وهو يعتقد أن المسيح هو خالق السماوات والأرض، وكل الأشياء، وكيف يكون موحداً، وقد تراجع أمام مُناظريه في «مجمع نيقية» الأول عن قول التوحيد، وادعـى أن الابـن هو خالق السماوات والأرض، ثم أقر لهم بصحة عبادة الابن الخالق دون عبادة خالق هذا الابن المخلوق الخالق! ([11]).
وأما رأي «آريوس» الذي يدل على حقيقة عقيدته، والذي كان سبباً لثورة رجال الكنيسة ضده فهو عدم قوله بتأليه المسيح إذ يقول: «ليس للمسيح وجود أزلي لأنه له بداية وجود، إذ خلقه الله في أول خليقة… وأنه بطبيعة مغايرة لطبيعة الآب. ومنجوهر خـلاف جوهر الآب. ولفضيلته، واستقامته حسب الوصايا الإلهية صار شخصاً إلهياً. لكنه علـى أية حال مخلوق خلق من العدم وهو أدنى منزلة من الآب ومن عنصر دون عنصره»([12]).
والمسيح إذن في نظر «آريوس» هو مجرد شخص إلهي وليس إلهاً، فهو كائن متوسط بين الله والإنسان، لأن منزلته أدنى من منزلة الإله، وأعظم من منزلة البشر([13]).
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التضارب والتخبط العقائدي لدى «آريوس» وغيره، في ظل عدم وجود الإنجيل الحقيقي.
لقـد أدت مقولـة «آريوس»، بـأن القديـم هو الله، وأن عيسى عليه السلام مخلوق، إلى الاعتراض عليه من قِبل باقي الأساقفة، وهذا ما دفـع المؤرخيـن النصارى ومَـن نقل عنهم إلى اعتبار آريوس رئيس الموحدين، وتصنيف فرقته ضمن الفرق الموحدة.
ب ـ الفرق المشركة:
1 ـ فرقة كرنييوس: ويعتقد هو وأتباعه أن روح المسيح حلت على «يسوع الناصري»، عندما عمده «يحيى» عليه السلام ، عند نهر الأردن، ولما أراد اليهود صلبه، طارت روح المسيح إلى السماء تاركة وراءها «يسوعاً»، ليصلب وحده([14]).
2 ـ الفرقة المرقونية: وهم أتباع «مرقيون»، ويزعمون أنه رئيس الحواريين، ويعتقدون أن الآلهة ثلاثة؛ صالح وطالح وعدل بينهما([15]).
3 ـ الفرقـة البربرانية: ويرى أصحاب هذه الفرقة أن عيسى وأمه إلهان من دون الله، ويطلق على أتباع هذه الفرقة «المريمانية» أو «المريميين» أو «الريميتيين»، وقد بادت هذه الفرقة([16]) ويبدو أن القرآن قد تحدث عنهم في هذه الآية، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾[المائدة: 116].
4 ـ الفرقة الأليانية: وهم أتباع «أليان»، وهو يعتقد أن مريم لم تحمل عيسى عليه السلام وإنما مر نور في بطنها كما يمر الماء في الميزاب، لأن كلمة الله دخلت من أذنها وخرجت مـن حيـث يخـرج الولد، ويعتقـد أن الصلب وقـع على الخيال الذي ظهر من شخص المسيح، ولم يقع علـى المسيح نفسـه، وهو مـا صلـب إلا لخلاصهم، وهم قوم أقاموا بالشام واليمن وأرمينية([17]).
ثانياً ـ الفرق التي ظهرت بعد مجمع نيقية:
بالرغـم مـن وجود مثـل تلك الفرق المنحرفـة سابقـة الذكر وغيرها، فإنه كان يمكن أن يبقى الدين الحق سليماً لا يناله التحريف والضياع، ولكن مع فقدان الكتاب المنزل على عيسى عليه السلام ، وانتشار الأهواء، والأساطير، والانحرافات العقائدية، وتحكم السلطان في اختيار العقيدة التي توافق هواه، خرج النصارى عن دين التوحيد برضاهم أو رغماً عنهم، «فتـم للحكـام والقسيسين ما أرادوا، واختفـى دين المسيح عليه السلام ، وقام ديـن البطاركتة والقسيسين»([18])، وكل الفرق التي ظهرت بعد ذلك كانت في إطار تأليه المسيح([19])، وأظهر هذه الفرق:
أ ـ الفرق القائلة بتأليه المسيح فقط:
المقدونيون: وهم أتباع «مقدونيوس» وكان بطريركاً في القسطنطينية، بعد ظهور التثليـث، وهـو يعتقـد أن عيسى عليه السلام رسول الله، وأنه نبيٌ كسائر الأنبياء، وأنه إنسان مخلوق، ويرى أن الله هو خالق الروح القدس والكلمـة، واستمر أتباعـه بعد موته على منهجه([20]).
وقد صنفت هذه الفرقة على أنها من الفرق الموحدة في عصر التثليث([21])، وترى الباحثة أنها لم تكن على التوحيد، فبالنظر إلى فحوى قرار مجمع القسطنطينية الصادر في سنة 381م، والذي عُقد ضد المنكرين لألوهية الروح القدس «المقدونيين»([22])، وبالتدقيق في مقولة «مقدونيوس»: «الجوهر القديم أقنومان فحسب أب وابن والروح مخلوق»([23])، يتبيـن لكل ذي بصيـرة أنه ينكـر ألوهية الروح القدس ولا ينكر ألوهية المسيح، وكأنه يرى أن عيسى مخلوق، ولكن حل فيه اللاهوت بالاتحاد، أو أي طريق آخر، ومما يؤكد ذلك أن جميع فرقهم بعد نيقية، كانت متفقة على أن القديم لا يجوز أن يتحد بالمحدث، ولكن الأقنوم وهو الكلمة، اتحد بالقديم وهو الله، دون سائر الأقانيم([24]).
ب ـ الفرق القائلة بعقيدة التثليث:
لما كان النصارى متفقين أيضاً على أن المسيح هو ابن مريم، وأنه قتل وصلب، مع خلاف بينهم في الكيفية، فقد اختلفت فرقهم بناءً على ذلك([25]). وفيما يلي بيان لتلك الفرق:
الملكانية (الكاثوليك): وهي عمدة جميع الفرق وأعظمها، وكانت تسمى «الملكانية» أيام الروم، لأنها مذهب جميع ملوك النصارى، وشعوبهم في أفريقيا، وصقلية، والشام، والأندلس، ما عدا الحبشة والنوبة، في ذلك الوقت، أي أنها تنسب إلى دين الملك، أي ملك الروم، لا إلى رجل يدعى «ملكانيا»، ظهر في بلاد الروم([26]).
وتسمى«الكاثوليك» Catholique بمعنى «الديانة العامة» أو «العالمية»، وهي مشتقة من كلمة يونانية Katholikos، وتعني العالم أو العالمي([27]).
وتديـن هـذه الفرقة بعقيدة التثليث كما أقرتها المجامع الأولى، ويؤمنون بأن الله اسم لثلاثة أشياء أو معان، أو أن الآلهـة ثلاثـة، ومهما يكن فالشرك واحد بالرغم من قولهم، ثلاثة في واحد، وواحد في ثلاثة، ويؤمنـون بـأن عيسى إله تام وإنسان تام، وأن مريم ولدت إلهاً أزلياً، وولـدت الإنسان، وأن الصلب وقـع على الإنسان، ولم يقع على الإله، ويعتقدون أن عيسى هو ابن الله، وهذا الابن له جوهران، جوهر اللاهوت كمثل أبيه، وجوهر الإنسان مثل إبراهيم وموسى وداوود، وباقي الناس، ثم اتحد هذان الجوهران في شخص واحد أو أقنوم واحد، ومع ذلك فهو محتفظ بالطبيعتين، ولكل طبيعة مشيئة كاملة، وعيسى بهاتين الطبيعتين طبيعة اللاهوت والناسوت، ويسمى المسيح وهو الأقنوم الثاني([28])، قال تعالى محذراً لهم: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّـهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗوَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾[النساء: 171].
وحكم عليهم بالكفر فقال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[المائدة: 73]، واستمر أتباع تلك الفرقة على مقولتهم هذه، إلى أن انشقت عنها فرق أخرى، ولما كانت هذه الفرق المنشقة منبثقة من هذه الفرقة الأم، فلا حاجة لإعادة ذكر معتقد تلك الفرق بالأقانيم الثلاثة، بل يكفي ذكر الاختلافات التي أدت إلى الانفصال.
1 ـ النسطوريون: وهم أتباع «نسطور»، وكان بطريركاً على القسطنطينية، ومكث في هذا المنصب أربع سنين وشهرين، ويزعم نصارى الشرق أن «نسطور» أخذ الأمانة عـن المسيح، وهـو يعتقد أن مريـم، لـم تلد الإله، بل ولدت الإنسان، لذا فهي تسمى والدة المسيح، ولا تسمى والدة الإله، وأن الإله لم يلد الإنسان، بل ولد الإله، تعالى الله عـن قولهـم علواً كبيراً، ويـرى«نسطور»، أن الاتحـاد بيـن اللاهوت والناسوت ليس حقيقياً بل مجازياً، فهو يحمل لقب ابن الإله بالمحبة، وهبة النعمة من الله، وتواجد أتباع هذه الفرقة في الموصل بالعراق وإيران وخراسان، ثم انحرف أتباع «نسطور» عن مبادئه، فمالوا إلى رأي باقي الفرق، وهو امتزاج اللاهوت بالناسوت، ومع هذا فهم لا يندمجون معهم في طقوسهم، بل لهم طقوسهم المخالفة([29]).
2 ـ الأقباط: لما كانت الكنيسة الكاثوليكية تعتقد بأن المسيح له طبيعتان، فقد انفصل عنها بطريرك الإسكندرية «ديسقورس» بإعلانه اتحاد الطبيعتين، وأنهما أصبحتا طبيعة واحدة بعد الاتحاد، ونُفى «ديسقورس» إلى فلسطين، فأثّر على كل من كان بفلسطين وبيت المقدس فاتبعوا مقالته، وبعد ذلك انفصلت الكنيسة المصرية نهائياً عن الكنيسة الكاثوليكية، وسمي أتباعها الأقباط، وتسمى أيضاً «الكنيسة المرقسية الأرثوذكسية»، لأن أتباعهـا يدّعـون أن مؤسسهـا هـو «مرقس الرسـول» عام 45م، وتسمى «كنيسة الإسكندرية»، لأن نشأتها كانـت في الإسكندرية، وقد أسست عدة كنائس تابعة لها في بلاد كثيرة ومن بينها فلسطين، واهتمت الكنيسة المصرية بالحملات التنصيرية في داخل مصر وخارجها باستخدام وسائل متعددة([30]).
ثـم تبعـت كنيسة الحبشة الكنيسة القبطيـة المصرية، فـي الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية، وهـي تتبع كنيسة القبط فـي القول بالطبيعة الواحدة، ولكـن لهـم أسقفاً خاصاً بهم([31]).
3 ـ السريـان: وكـان انفصـال كنيستهم تبعاً لانفصال «الأقباط»، وأتباعها من الآسيويين، ومنهم من اعترف برياسة الكنيسة الكاثوليكية، مع الاستمرار على مذهبهم، فهي تتبع الكاثوليك سيادة لا اعتقاداً، لقولهم بالطبيعة الواحدة([32]).
4 ـ الأرمـن: ويعتقد «الأرمن» نفس معتقد «الأقباط»، وقد انفصلت كنيستهم عـن الكنيسة الكاثوليكيـة، ومـع ذلك فهـم لا يتبعـون كنيسة «الأقبـاط» ولا كنيسـة «السريان»، بل لهم بطاركتهم وكنيستهم وتقاليدهم وطقوسهم المستقلة([33]).
5 ـ اليعقوبية: ظهرت هذه الفرقة بظهور «يعقوب السروجي»، ويسمى «البرادعي»، لأنه كان يلبس برادع الدواب، يرقع بعضها بعضاً، وينسب له هذا المذهب، لأنه كان مـن أقوى دُعاتـه، لا لأنه مُبتدعـه، فقـد كـان يدعو لمذهب «الأقباط»، الذي دعا إليه «بطريرك الإسكندرية»، وهو القول بالطبيعة الواحدة، ويوجد لهذه الفرقة أتباع في العراق، وبطريركهم مقيم في سوريا([34]).
6 ـ الأرثوذكس: وتعنـي «المذهب الحق»، أو «المستقيم»، وكلمة Ortodoxe مأخوذة من كلمتين Orthos، وتعني «الحق»، أو «المستقيم»، و doxe، وتعني «الرأي»، أو «المذهب»([35]).
وقد انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية بعد مجمع «خلقدونية» في سنة 451 ميلادية إلـى هـذا اليوم، ويعتقـد «الأرثوذكس» بالطبيعـة الواحدة كما يعتقد الأقباط والحبشة والسريان والأرمن واليعقوبية، وهذا هو جوهر الخلاف بينهم وبين الكاثوليك القائلين بالطبيعتين.
كما يعتقد «الأرثوذكس» أن المسيح هو الله نفسه، وأنه مات وصلب وقتل وسُمّر ودفن، وبقي العالم ثلاثة أيام بلا مدبر، ومكث في هذه الفترة في الجحيم، ثم قام ورجع محدَثاً ثم عاد قديمـاً، ثم ارتفع إلى السماء، وما كان صلبه وموته إلا فداءً لخطاياهم، لذا فهم يقدسون مريـم والصليـب. ويعتقدون أن مريـم حملت به في بطنها، إذ إن الكلمة انقلبت لحماً ودماً فصـار الإله هو المسيح، وهـو الظاهـر بجسده، ولأن الكلمة اتحدت كلياً لا جزئياً؛ كانت له طبيعة واحدة. ويعتقدون كذلك أن الأقانيم الثلاثة ما هي إلا مراحـل لذات الله، تعالـى عـن قولهـم علواً كبيراً، فقد كان يسمى قبل التجسد أقنوم «الآب»، وبعد التجسد أقنوم «الابن»، وبعـد القتـل أقنـوم «الـروح القدس»، لذا فإن المسيح يفعل أفعال الإله، وما يشبه أفعال الإنسان([36]).
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حكايتهم في القرآن الكريم، وفند مزاعمهم وعقائدهم الباطلة قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[المائدة: 17]، وقال تعالى: ﴿ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾[المائدة: 75].
وتعتبـر الطائفـة الأرثوذكسية في فلسطين من أقدم الطوائف المسيحية وأكثرها عدداً، ومعظم عائلاتها في القدس والناصرة وعكا وتعود إلى القبائل العربية القديمة، وتشرف كنيسة أنطاكية على بيت المقدس([37]).
ثم اختلف أتباع المذهب الأرثوذكسي فيما بينهم في أصل العقيدة فانقسموا إلى:
أ ـ الـروم الأرثوذكس: أو «الكنيسـة الشرقية» لأن أتباعها من نصارى الشرق، ويطلق عليها أيضاً «كنيسة القسطنطينية»، لأن مقرها كان في القسطنطينية، وهي تخالف الكنيسة المصرية في القول بالطبيعة الوحدة، وتوافق الكنيسة الكاثوليكية الغربية في القول بالطبيعتين والمشيئتين، ولكن يجمعها مع المصرية الإيمان بانبثاق الروح القدس عن الآب وحده، وهي تضم كنائس أورشليم ـ كما يطلقون عليها ـ، واليونان وروسيا، وأوروبـا الشرقيـة، وتعتقـد بـأن الله واحـد مثلث الأقانيم([38])، ويخالفها في هذا المعتقد الأخير، كنيسة اليونان الأرثوذكس.
ب ـ كنيسة اليونان الأرثوذكس: ومن يتبعها من الكنائس، وهي تعتبر أن أقنوم الابن أقل من أقنوم الآب في الدرجة، إذ إن الأقانيم عند اليونان مراحل انقلب فيها الله إلى الإنسان، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وتنتشر الكنائس اليونانية الأرثوذكسية في تركيا، واليونان، وروسيا، ودول البلقان، وجزر البحر الأبيض، والمجر، ورومانية، وكانت جهود الكنائس الأرثوذكسية اليونانية في التنصير ضعيفة نظراً للتحجيم الشيوعي لدور الكنائس في روسيا([39]).
هذا هو شأن الكنيسة الأرثوذكسية، وما حصل بين أتباعها من خلاف وشقاق وانفصالات، والتـي هـي منفصلـة أصلاً عـن الكنيسة الكاثوليكية المنحرفـة عن دين التوحيد.
ومـع ذلك فـإن «الكنيسة الكاثوليكية» لم تبق على ما كانت عليه من وحدة بعد كل الانفصالات السابقة إذ ظهر خلاف جديد بعد انفصال الأقباط واليعقوبيين، ومن لحقهـم، وهذا الخلاف كـان بين «مارون» وبين الكنيسة الكاثوليكية حيث نشأت فرقة جديدة.
7 ـ المـارون: وهـم أتباع «حنا مارون» الـذي اشتهر برأيه في سنة 667م، ودعا إليه وسانده بعض القساوسة وبعض نصارى آسيا، وهو يعتقد أن المسيح ذو طبيعتين، كمـا يعتقد الكاثوليك، ولكنه ذو مشيئـة واحدة مما أوجب عليه اللعن والطرد، ووقع على أتباعه اضطهاد شديد فرحلوا من أنطاكية، وتنقلوا من بلد إلى آخر، إلى أناستقروا في لبنان، فهو مقرهم إلى الآن، ويعرفون باسم «الموارنة» أيضاً.
وقد استمر العداء بينهم وبين الكاثوليك، إلى أن تصالحوا مع الكنيسة الكاثوليكية، فاعترفوا لها بالسيادة، واحتفظوا لهم ببطريرك خاص بهم، وقد هاجر كثير منهم إلى أمريكا، وأهم ما يميزهم عن غيرهم من الفرق هو القول بالطبيعتين والمشيئة الواحدة([40]).
8 ـ البروتستانت: لما اشتد ضغط الكنيسة الكاثوليكية على النصارى، وفرضت آراءهـا بالقوة، وزاد استبدادهـا وانحرافهـا فقصَرَت فهـم الكتب المقدسة على رجال الكنيسة، حتى إن الملوك لم ينجُ أحد منهم من سلطانها، كما حاربت العلماء، وقد انتشرت صكوك الغفران والحرمان خلال فترة سيطرة الكنيسة الكاثوليكية وقد أدى ذلك إلى ثورةٍ من قبل رجال الإصلاح على رجال الكنيسة، فانفصلت كنيسة البروتستانت عن الكنيسة الكاثوليكية([41])، وتسمى «الكنيسة الإنجيلية» لأنهم يتبعون الإنجيل فقط، ولأنه يحق لكل أحد عندهم أن يفهم الكتاب المقدس بنفسه دون حاجة إلى رجال الكنيسة، وقـد اقتصر دورهم على الوعظ والإرشاد، مع الاحتفاظ بقدسية هذه الكتب، وعدم جواز مخالفتها بحال، ومع ذلك فإن الإصلاح المزعوم لم يبحث في مدى سلامة قرارات التأليه، ولم يكلف رجال الإصلاح أنفسهم في البحث عن الإنجيل الحقيقي الذي أُنزل على عيسى، وكأن الفساد في الكنيسة الكاثوليكية كان فقط ناجماً عن تصرفات البابا وحـده ومن يتبعه من رجال الدين، وبذلك فهي لا تختلف عن باقي الكنائسالنصرانية من حيـث الإيمان بإله واحد مثلـث الأقانيم، وكما يقولون وحدة في تثليث وتثليث في وحدة، أو من حيث الإيمان بالصلب والفداء وتقديس الصليب.
وينتشر أتباع هذه الكنيسة في ألمانيا وإنجلترا والدنمارك وهولندا وسويسرا والنرويج وأمريكا الشمالية، وتوجد بعض الكنائس الإنجيلية الصهيونية التي تؤمن بأن شرط مجيء المسيح هو قيام دولة إسرائيل([42]).
ـ انقسام الكنيسة الكاثوليكية:
حـدث الانفصال الأكبـر بين أتباع الكنيسة الكاثوليكية، بسبب الخلاف حول انبثاق الروح القدس، هل انبثق من «الآب»، أم من «الآب»، و«الابن» معاً.
فانقسمت إلى كنيستين:
أ ـ الكنيسة الكاثوليكية الشرقية: وتعتقد أن الروح القدس منبثق من «الآب» فقط ولا تعترف لبابا روما بالسيادة أو الرياسة، وقد عقدت الكنيسة مجمعاً كفروا فيه أتباع الكنيسة الغربية بقيادة كنيسة روما، ولم تعد تخضع إحداهما للأخرى، فقد استقلت كـل منهمـا بسياستها وطوائفهـا التابعـة لها، ولكـن مـع مرور الزمن تنازلت الكنيسة الشرقية، فاعترفت لبابا روما بالتقدم عليها دون الاعتراف له بالسيادة([43]).
ب ـ الكنيسة الكاثوليكية الغربية: وهي تعتبر أكبر الكنائس النصرانية في العالم، وتدعـى «أم الكنائس» ومعلمتهـن، وتزعم أن مؤسسها هو «بطرس الرسول» في سنة 62م، وأن بابـاوات رومـا خلفـاء لـه، لذا تسمـى كنيستهـم «الكنيسة البطرسية»، أو «الرسولية»، وتسمتى «اللاتينية» لامتتداد نفوذها إلى الغرب اللاتيني خاصة، وتسمى «الكنيسة العامة»، بمعنى أنها الدين العام للجميع، وتدّعي أنها وحدها تنشر النصرانية في العالم، وأن للبابا حقاً فـي إصدار قـرارات بابوية سامية، لا تقبل المناقشة أو الجدل، فهو خليفة «بطرس» وَصِيّ المسيح وتلميذه، لذا فهـو يمثـل إرادة الله، ولـه الحق في إصدار «صكوك الغفران»، وينتشر أتباع هذه الكنيسة حالياً في جميع أنحاء العالم وخاصة إيطاليا وبلجيكا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال([44]).
وقـد ظهـرت فرقة جديدة تسمى «الجزويت» وهي فرقة كاثوليكية، وتنتشر في أوروبا عامة، والبرتغال وفرنسا وأسبانيـا بصفة خاصة، وتهدف إلى القضاء على الدين الإسلامي، لذا فهـي تحافظ علـى السرية في علاقاتها، وتعمل على بث الأفكار الهدامة بين المسلمين من خلال المدارس، وتحت غطاء دور الخير، وتسعى إلى تحقيق أعمال البر مثل إنشاء المدارس والمستشفيات، وتتستر خلف أعمال خيرية، نحو العطف على المرضى، وتَصَنُع التواضـع لجذب الناس إلـى النصرانية، وتعتمد في عملها التنصيري على هدم القيـم الدينية ونشر الرذائـل والإباحيـة وإشاعـة الأفكار الهدامة بين المسلمين ليسهل السيطرة عليهم فكرياً([45]).
هذه هي الفرق الظاهرة للنصارى فكيف كانت العلاقة بين هذه الفرق؟ ([46]).
ثالثاً ـ العلاقة بين الفرق النصرانية:
يمكن توضيح العلاقة بين هذه الفرق على شكل نقاط:
1 ـ قرارات المجامع النصرانية أكبر دليل على الاختلاف، والتناقض، والتباغض، بين هذه الفرق.
2 ـ قامت بين «الآريوسيين»، و«الكاثوليك» مواجهات، فأوقعت كل طائفة على الأخرى ما أوقعته من اضطهاد وتعذيب، ومن ذلك سَجْن البابا «يوحنا الأول» على يد «الآريوسيين» في سنة 525م.
3 ـ حـدوث الانشقاق بين «الكاثوليك»، و«الأرثوذكس»، وكذا الانشقاق بين «الكاثوليك» أنفسهم الذي حوّل الكنيسة الكاثوليكية الأم إلى شرقية وغربية.
4 ـ محاولة«الكاثوليك» إفشال حركات الإصلاح الديني، تحقيقاً للأطماع الشخصية، مما زاد في الفرقة والشقاق في العالم النصراني.
5 ـ اشتعلت حروب طاحنة بين «الكاثوليك» و «البروتستانت» لعدة سنوات، فراح ضحيتها الكثير، إلى أن تـم توقيـع «صلـح أوجزبرج» في سنة 1555م، ويعطى لكل ملك الحق في اختيار المذهب الذي يريد تطبيقه في مملكته.
6 ـ وقوع اضطهادات على «الموارنة» من قبل «الروم الأرثوذكس» مما اضطرهم إلى الرحيل عن «أنطاكية»، وأما «اليعقوبية» فقد قتلوا من «الموارنة» خلق كثير من رهبانهم، وهدمـوا ديرهم إلـى أن زاد الانتقام بيـن الطرفيـن، مما أدى إلى هجرة «الموارنة» شمال لبنان، وهو موطنهم الحالي.
7 ـ حصول اختلافات بين أتباع «المذهب الأرثوذكسي» فيما بينهم، هذا من جهة، فضلاً عن الخلافات القائمة بينهم وبين «الكاثوليك» من جهة أخرى.
8 ـ قيام «الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية»، و«الغربية الكاثوليكية» بالحكم بكفر «الكنيسة المصرية».
9 ـ ظهور القسوة والاضطهاد بين أبناء الملة الواحدة، فقط لمحاولة السيطرة، وفـرض المذهب بالقوة، كما حدث بين أتباع «الكنيسة الأرثوذكسية البيزنطية»، وأبناء «الكنيسة المصرية» من الاضطهاد والتعذيب، وما حدث بين أتباع الكنائس الغربية من «كاثوليك»، «أوبروتستانت» أو «أرثوذكس».
10 ـ بعد صدور «قرار عصمة البابا» عارضت جماعة من «الكاثوليك» المخالفين ذلك القرار، وأطلقوا على أنفسهم «الكاثوليك القدماء»، وهكذا التفرق قائم حتى بين «الكاثوليك» أنفسهم([47]).
11 ـ تم تشكيل «محاكم التفتيش» ضد كل من يخالف «الكنيسة الكاثوليكية»، حيث تم قتل عشرات الآلاف من المعارضين والعلماء وأحرقت عشرات المخطوطات المخالفة لآراء الكنيسة.
12 ـ عملـت «الكنيسة البروتستانتيـة» على فضح سلوك رجال الدين القائمين على «الكنيسة الكاثوليكية»، فقامت بينهم حروب كثيرة([48])، و«نتيجة للحروب القائمة بيـن الكنيستين البروتستانتيـة والكاثوليكيـة، واضطهـاد العلماء وقتلهم، وقتل الروح العلمية والفكرية، وتطـرُّف زعمـاء حركـة الإصلاح البروتستانتي في ذم العقل، أدى ذلك كله إلى ظهور الأفكار المناوئة للدين، وتعالت الصيحات الإلحادية التي تطالب بحرية الفكر وسيادة العقل، واعتباره المصدر الوحيد للمعرفة، وأيضاً المناداة بفصل الدين عن الدولة»([49]).
هـذه مجرد أمثلة توضح مدى الاختلاف والفرقة بين النصارى على مر العصور والأزمان، ولا يصدق عليهم إلا قوله تعالى: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ﴾[المائدة: 14]، وقـول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على إحدى أو ـ اثنتين ـ وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ـ ثنتين ـ وسبعين فرقة…»([50])، ولأن الفرقة تؤدي إلى الضعف والخذلان والبعد عن الصراط المستقيم، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٠٣﴾ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٠٤﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[آل عمران: 103 ـ 105].