جهود العلماء والمؤسسات الإسلامية في مواجهة التنصير
جهود العلماء والمؤسسات الإسلامية في مواجهة التنصير
كتبت الكاتبة أمل عاطف محمد الخضري في كتاب ( التنصير في فلسطين في العصر الحديث ) في هذا الموضوع
الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة ( 1439هـ - 2018م)
فقالت:
ازدادت حدة التنصير في فلسطين بعد الاحتلال البريطاني لها، واكتفى المسلمون آنـذاك بتحذير بعضهـم البعض من ذلك المد التنصيري، ولكن ما إن تجاوزت الأعمال التنصيرية الحدود، وبدأ التهجـم علـى الإسلام والمسلميـن وفق برامج منظمة، بدأت ردود الأفعال تصـدر مـن قبـل المسلمين مـن علمائهم ومؤسساتهم والمخلصين منهم، ومما قاموا به في تلك الفترة:
1 ـ قام المجلس الإسلامي الأعلى بإرسال احتجاج إلى المندوب السامي البريطاني، يطلعه بالتفصيل على أعمال المنصرين في فلسطين، في نحو إحدى عشرة صفحة، ختمها بطلب رسمي من المندوب السامي جاء فيه:
«وفي الختام، فإن للمجلس الإسلامي الأعلى الذي يعرب بكتابه هذا بمطالبه، عن رغائب المسلميـن فـي فلسطيـن، الثقـة التامـة بحكمـة فخامتكـم وحسن نياتكم وعدلكم، ويرجو التفضل بدراسة الحالة وإجراء ما يأمر به العدل والحق لتحقيق هذه المطالب»([1]).
وكانت خلاصة رد المندوب السامي على ذلك الاعتراض، بأن المجلس التنصيري العالمـي، عليه ألا يتصـادم مـع المسلمين فـي فلسطين، وألا يتدخل في شئونهم، ولكن التنصير الفردي لا يدخل في تلك المسألة، وذلك لسبب واحد أنه يوجد حرية دينية في فلسطين([2]).
2 ـ تمكن بعض الأهالي المسلمين بمعاونة الحكومة المحلية من إخراج المنصرين من جنيـن لشدة تهجمهـم علـى الإسلام، وكـان ذلـك بتاريـخ 22 شوال 1341ﻫ ـ 7/ 6/ 1923م([3]).
3 ـ قـام المجلس الإسلامي الأعلى باطلاع الحكومة البريطانية على ما يقوم به المنصرون في فلسطين، مبيناً مخاطر عملهم هذا، مطالباً المسئولين بعمل التدابير اللازمة، والكافيـة، لردع المنصريـن، ودعم المجلس قوله بإرسال عدة كراريس مما كان يوزعها المنصرون وتمتلئ بالطعن في الإسلام، كان ذلك بتاريخ 16 ذو القعدة 1341ﻫ ـ 1 تموز 1923م، وكما أرسل المجلس قبل ذلك رسالة أخرى بتاريخ 24 ذو الحجة 1340ﻫ ـ 17/ آب 1922م.
4 ـ قـام رئيس المجلس الإسلامي الأعلـى بمحادثـة السكرتير العام للحكومة البريطانية في فلسطين، مقدماً اعتراضه بخصوص التنصير، والطعن في الإسلام، وكان ذلك في أواخر شهر تموز 1922م، ثم ألحق بإرسال تقرير خطي بذلك الاعتراض([4]).
5 ـ قام المجلس الإسلامي الأعلى بمشافهة بعض الرؤساء المسئولين في الحكومة البريطانيـة بخصـوص توظيف الأجانب علـى حساب سكان فلسطين المسلمين وهم سكانها الأصليون، وبخصوص إسناد وظائف الدرجة الأولى، والثانية، إلى غير المسلمين، وكان ذلك بتاريخ 11 جماد الثاني 1340ﻫ ـ 18 كانون أول 1926م([5]).
6 ـ قـام المجلس الإسلامي الأعلى بتقديم كتاب إلى الحكومة البريطانية يشرح انتهاكات القوانين البريطانية المجحفـة بحـق المسلمين في فلسطين، وكان ذلك بتاريخ 13 محرم 1345ﻫ ـ 24 تموز 1926م، وآخر بتاريخ 16 رجب 1345ﻫ ـ 19 كانون ثاني 1927م([6]).
7 ـ توجيـه اعتراض لـدى المنـدوب السامي البريطاني من قبل رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وذلك بعد أن تولد لدى المسلميـن شكوك بأن هناك خطة حكومية رسمية بين الحكومـة، والجهـات التنصيريـة، وذلك من خلال الممارسات المدعومة من قبل الحكومة، مـن سن قوانين لصالح المنصرين، والتحكم في قوانين الملكيات، وعدم الاهتمام بالتعليم الإسلامي، وقد دفع كل ذلك وغيره رئيس المجلس الإسلامي الأعلى إلـى مصارحة المندوب بتلك الشكوك، والتي تأكدت لدى المسلمين بحضور المندوب السامي لجلستين من جلسات المؤتمر التنصيري المنعقد في القدس عام 1924م، بموافقة الحكومة بصورة رسمية.
وكـان رد المندوب السامـي علـى تلك الشكوك، أنه لا يوجد دليل على وجود علاقة بين الحكومة، ومجلس التنصير العالمي([7]).
8 ـ تمكن المجلس الإسلامي الأعلى من منع المنصرين من دخول المساجد، للحفاظ على الأمن والأمان للمسلمين([8]).
9 ـ مطالبة المنـدوب السامـي البريطانـي بإزالة أسباب قلق المسلمين من أعمال المنصرين، وذلك بدراسة جميـع الشكـاوى المقدمة من قبل المجلس الإسلامي الأعلى، واتخاذ الخطوات التي من شأنها تحقيق ذلك وهي:
أ ـ ردع المنصرين، ومنعهم من الاسترسال في تهورهم، ومنعهم من إثارة الجدال العقيـم، كمـا طالـب المجلس بمنـع المنصريـن من اقتحام البيوت، والقرى، وخاصة المساجد.
ب ـ تكليف الدوائر الحكومية، وموظفيها، بالامتناع عما يدل على مساعدة الحكومة للمنصرين، أو الانحياز إلى جانبهم.
ج ـ مصادرة جميـع النشرات والكتـب التي تمس عقيدة المسلمين، وعواطفهم، وتجرح عزتهم وكرامتهم، وعدم السماح بدخول أي جديد منها للبلاد.
د ـ إخراج المنصرين، والجمعيات التنصيرية التي تثير الجدل العنيف بين المسلمين، الأمر الذي يشكل خطراً على أمن البلاد.
ﻫ ـ مطالبـة الجمعيات التنصيريـة التي تحتجز لديها أولاد المسلمين، وتسليمهم إلى أوليائهم، أومن لهم الحق في رعايتهم، أو إلى المجلس الإسلامي الأعلى.
و ـ إشراك الأهالي فـي سن قوانيـن البلاد، وخاصـة التـي تطبق على المسلمين، إضافة إلـى رد صلاحيات الأوقاف الإسلامية كما كانت، والمطالبة بحجب قانون نزع الملكية عنها، كمـا أوصى المجلس بضرورة عدم حرمان الموظفين الشرعيين من حقوق التقاعـد كغيرهـم، وإنصاف الموظفين، ومنحهـم حقهم، في الوظائف ذات الدرجات العالية وما دونها، وذلك حسب نسبتهم العددية.
ز ـ العمل على توفير مدارس للأولاد في مرحلتي الإعدادي والثانوي، ومراعاة إعادة اللغة العربيـة إلـى سابق مجدها، وإعطائها مكانتها، باعتمادها في جميع المعاملات الرسمية، على أساس أنها لغة الأغلبية العظمى في البلاد.
ح ـ توفيـر مدارس كافيـة لأولاد المسلميـن، حتـى لا يلجـأ المسلمون لإرسال أولادهم إلى المدارس التنصيرية، وكذلك المطالبة بقبول الطلاب المسلمين، والمسلمات في دور المعلمين، والمعلمات حسب نسبتهم العددية في البلاد، حتى يحل المدرس المسلم بدلاً من المدرس النصرانـي في المدارس ذات الأغلبية المسلمة، وكذلك الاقتصار على اتخاذ يوم الجمعة كعطلة رسميـة، بالإضافة للأعيـاد الإسلامية في المدارس التي جميعطلابها مسلمون، أو غالبيتهم، حتى لا يؤدي ذلك إلى امتهان كرامتهم، وإضاعة أوقاتهم.
ط ـ الاعتناء بالدروس الدينية المخصصة للطلاب المسلمين في المدارس الرسمية، وإشراك المجلس الإسلامي الأعلى في وضع المناهج، بالموافقة على إرسال مندوب من قبل المجلس، للتنسيق مع دائرة المعارف، لوضع منهج التعليم الديني الإسلامي، والتفتيش عليه، وتوظيف الأكفاء في تدريس الدين، والقرآن الكريم، كما طالب المجلس بإعادة وظيفة مفتش تعليم الديانة الإسلامية بعد إلغائها([9]).
10 ـ إصدار نـداء موجـه إلى المسلمين عامة، بالتحذير من المدارس التنصيرية، من قبل دائـرة المعاهد الدينيـة بالمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في فلسطين، مكون مـن ثمانية صفحات مـن القطع المتوسط، يبيـن فيـه هـدف المنصرين من تركيزهم على الأطفال، كما يحذر فيه أولياء الأمور، من إرسال أولادهم لمثل تلك المدارس، كما حملهم مسئولية أبنائهم وبناتهم أمام الله عندما يلقونهم بين أيدي المنصرين، ويختم النداء بتذكير المسلميـن أن نداءً آخـر كـان قـد نشر في العام السابق لذلك العام، وقد لاقى إحساناً وقبولاً بين المسلمين، مشدداً على ضرورة الاستمرار في التعاون، والاستجابة لتحويل الأولاد من المدارس النصرانية إلى المدارس الإسلامية([10])([11]).
11 ـ مطالبة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى من قبل بعض المخلصين في الناصرة، بتوظيف من يقوم بمهمة الوعظ، والإرشاد، لدحض افتراءات المنصرين الذين ينتشرون فـي كـل قرية، وخاصـة بعـد انعقاد المؤتمر التنصيري في القدس، بتاريخ 1 ذو القعدة 1346ﻫ، وقد كلـف رئيس المجلس من يقوم بدراسة ذلك الأمر، لعمل اللازم وذلك في اليوم الرابع من نفس الشهر لأهمية الأمر([12]).
12 ـ مطالبـة رئيس المجلس الإسلامي الأعلـى مـن قبل جبران محمد قبطان ـ أحـد المخلصين مـن أبنـاء المسلمين فـي الناصـرة ـ بتكويـن لجنـة تهتم بإعانة الفقراء المسلمين، أو دعمهـم بإنشاء صنـدوق خاص تحـت إشراف لجنـة تسمـى «لجنة إعانة فقراء المسلمين»، أو تخصيص جزء من ميزانية المجلس، وذلك بعد قيام المنصرين بتوزيع نقود على من يترددون على الكنيسة لأداء الصلاة فيها، كما طالب بتوزيع مبلغ مؤقت علـى هؤلاء الذيـن أغراهـم المنصرون بالمال، وحذر من صرف النظر عن معالجة هذه المشكلة في أسرع وقت، فإن ذلك قد يؤدي إلى اتساعها، وعدم التمكن من السيطرة علـى ذهاب هؤلاء الفقراء إلى الكنيسة خاصة وأنهم يذهبون سراً، وذلك بتاريخ 1 ذو القعدة 1346ﻫ، وقد أبدى رئيس المجلس الإسلامي تعاونه، وأمر بالاهتمام بالموضوع، والرد عليه بسرعة([13]).
13 ـ قام مسلمو قضاء بئر السبع من بدو، وحضر، بتقديم شكوى إلى قائم مقام قضاء بئر السبع، مفادها أن المنصرين قد أكثروا من التجوال في القضاء، يدعون المسلمين لاعتناق النصرانية، ولا يكتفون بذلك بل يتهجمون على الدين الإسلامي، ويتطاولون على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كما أن الأهالي قدموا اعتراضاً على مساعدة الحكومة للمنصرين بسماحها لهـم بممارسة العمـل التنصيري بيـن المسلميـن، وقد ذيلت الشكوى بتواقيع مجموعة مـن أهـل الصلاح والتقـوى، يؤكـدون على ضرورة رفع هذا الاحتجاج إلى المندوب السامي([14]).
14 ـ رفعـت جمعيـة الشبان المسلمين فـي حيفا، والرملة، استنكارين إلى رئيس المجلس الإسلامي الأعلى اعتراضاً على ما قام به أحد المعلمين في مدرسة الرملة بإلقائه المصحف الشريف على الأرض أمام الطلاب، وطالبت الجمعية بضرورة القضاء على أمثال تلـك الأعمـال، كما أُرسلت نسخاً مـن الاستنكارين لكل من المندوب السامي، ومدير المعارف، وحاكم المقاطعة الشمالية([15]).
15 ـ قامت الجمعية الإسلامية بإعادة أناس تنصروا من شفا عمرو إلى الإسلام، وتابعـت أمرهم باهتمام شديد، وأصلحت من موقفهم أمام الرأي العام بإخراج بيان موقع بأسماء هـؤلاء الأشخاص، يؤكدون من خلاله، أنهم لم يرتدوا عن دينهم، وأنهم لازالوا مسلمين، وتم ذلك بتاريخ 5 أيار 1928م([16])([17]).
16 ـ قام المجلس الإسلامي الأعلى بتأسيس مدرسة الأيتام الإسلامية في القدس، بهدف تخليص اليتامى المسلمين من دخول المدارس التنصيرية، وقد تمكن المكلفون من قبل المجلس باسترداد القسم الأكبر من هؤلاء اليتامى، وكتب رئيس المجلس الإسلامي كتاباً يعمم على جميع القضاة في فلسطين بضرورة بذل الجهد لمعرفة أسماء من تبقى في المدارس التنصيريـة إن وجـدوا، واتخـاذ التدابيـر اللازمـة للحصول على نتائج دقيقة وصحيحة، مطالباً بإنهاء عمليات البحث بأسرع وقت ممكن، وإعلامه بنتائج البحث([18]).
17 ـ قيام القضاة في فلسطين بالبحث عن المنصرين ومتابعة أنشطتهم في البلاد بناءً على طلب من رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وقد أرسلوا للمجلس عدة تقارير توضح ذلك:
أكـد مفتي عكـا أنـه لا يوجد في ذلك الوقت يتامى من أطفال المسلمين داخل المدارس التنصيرية، إلا أنه يوجـد مجموعة من اليتامى يتهيأون لدخول تلك المدارس، وقد ذكر أسماءهم، وطالب رئيس المجلس بقبولهم في مدرسة الأيتام حفظاً لهم، وحفاظاً على دينهم([19]).
كما اشتمـل تقرير مفتي قضاء بئر السبع على أنه لا يوجد في ذلك القضاء سوى مدرسة أجنبية واحـدة، تابعة لجمعية التنصير الأمريكاني، وقد تمكن المفتي، ومن معه، بفضل الله من إخراج جميع التلاميذ المسلمين منها، كما ذكر أنهم كانوا يستغلون الطبيب لاستجلاب الناس إلى أماكن تواجدهم، وهناك يقومون بنشر تعاليمهم النصرانية بين المرضـى، ويذكـر القاضي فـي التقرير أنه يقوم بمهمة الوعظ داخل المدينة، هو، وإمام المسجد، وطالب رئاسة المجلس الأعلـى بإرسال واعظين اثنين، للتجول خارج المدينة لوعظ الناس هناك، ولصد المنصرين الذين يقومون بتوزيع كتب تنصيرية خارج المدينة، وقد أرسل نسخاً من هذه الكتب مرفقة مع التقرير([20]).
وقد قام قاضي الناصرة بإجراء تحرياته، إضافة إلى عمليات بحث دقيقة عن ملاجئ الأيتـام التنصيرية، ودور التنصيـر، وأفاد بأنه لم يستدل على وجود يتامى للمسلمين في تلك الملاجئ، ولا وجود لأولادهم في دور التنصير، وأكد القاضي أنه سيواصل البحث والتحري([21]).
وكذلك أفاد وكيل قضاء غزة، بعدم وجود مدارس تنصيرية في ذلك الوقت([22]).
وأمتا مفتي صفد فقد أفاد أنـه استعان بأهالي القضاء، للبحث عما إذا كان هناك تواجد ليتامى المسلمين في المعاهد التنصيرية، فوجد أن أحد الأيتام قد مات في مدرسة بيت لحم، ولم يؤكد الخبر، وأشار إلى أنه يريد إعادة التحري والسؤال، للتأكد من صحة الخبر، كما ذكر أسماء يتامى مسلمين موجودين في مدرسة الأيتام الإسلامية([23]).
كما أفاد مفتي قضاء طبريا، بعدم وجود أي طالب مسلم في المدارس التنصيرية([24]).
18 ـ إصدار تكليف من قبل رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بتاريخ 12 جماد الثانـي 1341ﻫ ـ 29 كانـون ثانـي 1923م، إلى جميـع قضاة الشرع للاهتمام بمقاومة الكراريس، والمطبوعات التي يوزعها المنصرون، وضرورة تحذير المسلمين منها، وتفنيدها أمامهـم، واطلاعهـم على ما يراد منها، حتى يكونوا من أمرها على بينة، كما أرسل لهم خطة ليعمل بها الجميع من أجل الوصول إلى أفضل النتائج([25])، فمن إفادات القضاة: ما أكده قاضي جنين، وبيسان من خلو المدينتين من المنصرين، ومدارسهم ومستشفياتهم، ولا يوجد لهم أي نشاط داخل السجون، وأشار التقرير إلى قيام مدير المدرسة الحكومية بتوزيع كتب دينية ضد المسلمين، الأمر الذي أدى إلى نقله إلى طبريا، كما وعد بمتابعة الموضوع، وإطلاع رئيس المجلس على كل جديد([26]).
وقـام أيضاً قاضي الرملـة بعرض نتيجة تحرياته في قضاء الرملة، فظهر أن هناك مدرستين تنصيريتين، ولكـن عـدد المسلمين فيهما قليل، وتأثير المنصرين فيهما في حكم العدم، ومع ذلك فقد أشار إلى أنه تم تنبيه أولياء أمور الطلبة إلى خطورة تلك المدارس، وحثهم على عدم إرسال أولادهم إليها، والامتناع عن التداوي في مستشفاهم الذي هم في طور بنائه، وتعميره وتشغيله، وأن الواجب عليهم مقاطعته، كما بين التقرير أن المنصرين لا يوجد لهم أي تأثير في السجن([27]).
19 ـ قـام رئيس المجلـس بإصـدار تكليـف آخر للواعظ العام لقضاء القدس، بخصوص مقاومة التنصيـر فـي أرطاس، وذلك بسبب تسرب جماعة من المنصرين إلى هـذه القرية، وقيامهـم بالدعايـة الباطلـة، لتسميـم أفكـار المسلمين بمساعدة اليهود، والسماسرة، لذا طلب منه الذهاب إلى تلك القرية، لتوضيح الأمر للمسلمين، وتحذيرهم من أعمال المنصرين، وكشف نيتهم أمام المسلمين، والتي تهدف إلى هدم الإسلام، وتسليم الوطن الغالي لليهود، وأكد أن عليه المسارعة بطرد المنصرين من هذه القرية المسلمة، التي لا يوجد فيها نصارى، كما طالبه بإعلامه بالنتيجة([28]).
20 ـ قامت بعض الأحزاب الموجودة في فلسطين بالاستنكار لما يفعله المنصرون، كما فعل حزب الزراع العربي في نابلس، من استنكار لما يوزع من نشرات بذيئة ضد الإسلام في نابلس، واعتبر الحزب هذه الأعمال جرائم، كما قدم احتجاجاً ضد الحكومة لسكوتهـا على تلك الأعمال، وطالبها بالضرب بشدة على أيدي هؤلاء تهدئة للخواطر، ولتخفيف الهياج الشديد من قبل المسلمين، وذلك بتاريخ 19 مارس 1927م.
وكذلـك فعـل حـزب العمـال العربي بنابلس، فقد طالب الحكومة بالتصرف السريع لمكافحة المنصريـن وإيقـاع العقوبة عليهم لتهجمهم على الدين الإسلامي، كما اتهم الحزب الحكومة بتشجيع المنصرين خاصة وأنها حكومة نصرانية، وذلك لسكوتها عن تلك التهجمات، وقد حمل الاستنكار توقيع رئيس الحزب وأعضاء آخرين.
وقامـت الجمعية الإسلامية في نابلس برئاسة «حافظ طوقان»، بتقديم استنكار أيضاً، يطالب الحكومة بمنع مثل تلك التجاوزات.
كما أُرسلت استنكارات أخرى تحمل أسماء شخصيات من نابلس، دون تحديد اسم الحزب أو الجمعية التي تنتمي إليها هذه الشخصيات.
واحتـج أهالي نابلس على ما يوزع من نشرات بالقدس، من قبل جمعية تنصيرية إنجليزية لما تحمله هـذه النشرات من تهجم شديد على الإسلام، مع إدانة الحكومة بأنها تساعد مثل تلك الأعمال بسكوتها، وطالـب الأهالـي بالضرب بشدة على يد الطابعين والموزعين لمثل تلك النشرات، والعمل على منع تكرار نشر ما يسئ للإسلاموالمسلمين، وقد حمل الاستنكار مجموعة من التوقيعات([29]).
21 ـ وفي غزة قامت جمعية «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، بإرشاد أئمة المساجـد، للقيـام بتحذير المسلميـن، مـن إرسال أولادهم إلى المدارس التنصيرية، من خلال تخصيص خطب يوم الجمعة لذلك الغرض، إضافة إلى تحذير المسلمين من دسائس المنصرين التي تؤدي إلى إلحاق الأذى بالإسلام والمسلمين([30]).
كما قامت جمعية «الهداية الإسلامية» التي كانت تعمل في مجال الدعوة مع جمعية «الأمر بالمعـروف والنهـي عـن المنكر» أيضـاً بدعوة الأئمة لحض المسلمين على تعليم أولادهم فـي المدارس الوطنيـة، وتـرك المدارس التنصيرية التي يؤثر تعليمها على دين الأطفال([31]).
22 ـ كمـا طالبت جمعيـة «الأمر بالمعروف والنهـي عـن المنكر» بإرشاد الأهالي لتوعيـة صغارهم بعـدم الذهـاب إلـى مدرسة المستشفـى الإنجليزي (الأهلي حالياً)، بسبب قيام المدرسين في هذه المدرسة بتلقين التلاميذ أموراً باطلة، كتفضيل عيسى على محمد عليهما الصلاة والسلام، ورسم الصليب بأصابعهم، ومطالبتهم بتقبيله([32]).
وخوفاً مـن استمـرار ذهـاب الأولاد إلى تلك المدرسة، طالب أعضاء الجمعية بفتح صف بستان للأطفال يتبع مدرسة الحكومة الابتدائية، أسوة بالبلدية التي قامت بفتح صف بستان للأطفال، وأكد الأعضاء على اهتمامهم بالمسارعة في إتمام الأمر، وذلـك بإرسالهم طلباً إلـى الحكومة لفتـح الصف، وقـد أخبرهم مديـر المعـارف بأن الحكومة بصدد النظر في ذلك الطلب، واقترح تعميم مثل هذا المطلب على جميعجمعيات «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في فلسطين، لعل الحكومة تستجيب لمثل تلك المطالب([33]).
23 ـ دعـا قاضـي نابلس رئيس المجلس الإسلامي الأعلى لاتخاذ خطوات من شأنها ردع المنصريـن، بعد ما كثرت أباطيلهم في البلاد، خوفاً من تأثر فطر المسلمين بما يثار من شبـه، ومـن هـذه الخطوات تعييـن وعاظ في جميع المناطق، لتعليم الناس أمور دينهم، وطالـب المجلس بالاطلاع علـى كتابين الأول هو «البشائر النبوية في بعثة خير البرية صلى الله عليه وسلم»، والثانـي هـو«الحجج الواضحة والبرهان الصحيح في إثبات عدم صلب المسيح»، وذلك لاشتمالهمـا علـى جميـع الأدلة القاطعة على ما تضمنه عنوانا الكتابين، ومن ثَم قدم القاضي للمجلس التماساً بضرورة طباعة الكتابين على نفقة المجلس، بمطبعة دار الأيتام، لتوزع نسخ منها على المواطنين([34]).
24 ـ القيـام بالتحذيـر المباشر للمنصريـن، بمواجهتهم، وأمرهم بالتوقف عن أعمال التنصير، من قبل الداعية مراد الأصفهاني، الذي عمل الكثير لخدمة هذهالقضية، وذلك بناءً على طلب رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى بالسفر داخل البلاد، وخاصة في المدن التي يختلط فيها المسلمون بالنصارى، لبحث أمور المنصرين، وقد وعد الشيخ الأصفهاني رئيس المجلس بإيفائه بتقرير مفصل عن رحلته هذه، وكان ذلك بتاريخ 4 ـ ديسمبر ـ 1928م.
وقـد أثمرت أعماله بأخذ تعهد من قساوسة البروتستانت في الناصرة، بالعدول عما يخططون له مـن الطعن على الإسلام، والتطاول على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد ذكر أنه لم يكن واثقاً من عهدهم، وقد أطلع رئيس المجلس الإسلامي الأعلى على ما توصل إليه.
وفي زيارته لمدينة الناصرة، قام بمناظرة مطران الروم الأرثوذكس فيها، بشأن ما يشيعه من افتراءات حـول الإسلام، والقـرآن، والأحكام الشرعية، وذلك لما رأى من الاندماج الشديد بين مسلمي الناصرة والنصارى فيها.
وقام بالوعظ بعد صلاة الجمعة، ومن بعد صلاة العصر في الأيام الأخرى لحث المسلمين على التمسك بكتاب الله، وإحياء سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والإقلاع عن عادات وتقاليد النصارى محذراً، إياهم من المنصرين البروتستانت، وقد قام بتفنيد الشبه التي يلقيها المنصرون عليهم، مما أدى إلى استجابة السكان له، فتعهدوا جميعاً بالإقلاع عن العادات غير الإسلامية بعدما تبين لهم ضررها.
وأوضح لكثير من المسلمين ـ بناءً على طلب منهم ـ البشائر التي بشر بها الأنبياء السابقون بمجيء خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم أجمعين، وذلك من كتب العهدين حتى اقتنعوا.
وكـان لـه لقـاء آخر مـع بعـض الشباب مـن خريجي جامعة بيروت، والمدارس التنصيرية، فعرض عليهم أدلة وجود الله خاصة في ظل وجود من ينكرها، من بين هؤلاء الشباب، كما بين لهم مضار الاختلاط والتبرج التي كان يدافع عنها البعض منهم، حتى اقتنع الجميع، وسلَّموا بصحة العقائد الإسلامية بفضل الله.
وفي لقاء آخر مع المصلين تحدث لهم عن بطلان عقيدة التثليث، وبطلان تشابه تلك العقيدة مع قوله تعالى«بسم الله الرحمن الرحيم»([35]).
كما تمكن من دحر اثنين من المنصرين البروتستانت، أحدهما كان قادماً إلى الناصرة ليكمل دروساً فـي العقيدة النصرانية أمـام المسلمين، كان قـد بدأها منصـر آخر قبله، يتحدى من خلالها العقيدة الإسلامية، والأخـر هو القس «أسعد منصور» الذي كان يعرفه جميع سكان الناصرة لأنه مقيم فيها، ومشهور لديهم، وقد أرسل «الأصفهاني» إلى كل منهما دعوة لتحديد موعد ليلتقي بهما لعله يهديهما إلى الإسلام، وإن رفضا فالجدل، فلم يجبه أحد منهما، وقيل إن القس «منصور» قد فر هارباً من الناصرة إلى الرينة، وقيل إنه اختبأ في الكنيسة وادعى السفر.
ووجـه الشيخ «الأصفهاني» أيضاً دعـوة إلى رئيس المجلس الإسلامي، يطالب فيها بضرورة تعيين واعظ متديـن بين الأقلية المسلمة في الناصرة، خاصة في ظل وجود كنائس منظمـة، وإرساليات، وجمعيـات تنصيرية كثيـرة فـي ذلـك البلد ذي الأغلبيـة النصرانية، وذلك خوفاً من تلاشي المسلمين، بسبب ترك عاداتهم ونسيان أصول دينهم، وتأثرهم بتقليد من حولهم([36]).
وفـي زيارة أخـرى للناصرة كان يعقد الدروس، والندوات، التي كان يشهدها المسلمون والنصارى، وكان لها الأثر الحسن في تعريف المسلمين بحقيقة الدينالإسلامي، مما جعلهم يقتنعون بصحته بعد أن تأثرت عقولهم بالعقائد النصرانية، وشعروا بضرورة نبذ عقائد الآخرين، والبعد عن تقليدهم، وقد بدأ النصارى أيضاً يشكون في صحة دينهـم، حيـث خصـص الشيـخ درساً للمسلمين في المسجد، وآخر للنصارى في محل ملحق بالمسجد يسمـى مدرسة الجامع، ولما كان البعض من النصارى يرفضون دخول مدرسة الجامع بحجة عـدم مناسبتهـا، فقـد كانـوا يترددون عليه في الفندق الذي كان يقيم فيه، وكان يجلس معهم في أوقات فراغه من عمله مما أدى إلى تقبلهم تعاليم الدين الإسلامي بروح طيبة، وأعظم ما قام به الأصفهاني هو نطق بعض النصارى بالشهادتين نتيجة مواعظه ودروسه([37]).
25 ـ قام الشيخ «مراد الأصفهاني» بالتجول في القدس أيضاً، وقد أخبر رئيس المجلس الإسلامي بكل ما اطلع عليه هناك([38]).
26 ـ تعيين وعاظ في القدس لإرشاد المسلمين إلى الصراط المستقيم، وتفنيد أعمال المنصرين، وذلك بعد تفاقم أعمال المنصرين التابعين لجمعيات الإرساليات التنصيرية،
بهدف إفساد عقائد المسلمين، ومن ثم إخراجهم من دينهم([39]).
27 ـ تقديـم اعتـراض مـن قبـل الشيخ «الأصفهاني» بخصوص مكتبة «النيل التنصيرية» الكائنة فـي حي «باب العامود» إلى رئيس المجلس الإسلامي، موضحاً فيه أن تلك المكتبة تبيـع الكتـب المشحونة بالدس على الإسلام، كما تتخذ أساليب عديدة للتنصير بين الناس، ومؤكداً أنه تمكن من القضاء على حركة المنصرين داخل تلك المكتبة في مدة قصيرة، فانقطع اجتماعهم وتواجدهم فيها، كما توقفوا عن توزيع النشراتالمجانية على المارة، ولم تعد تعلق الإعلانات الملونة اللافتة للأنظار، والتي كانت تحتوي على كلمـات الكفـر، ولكـن المكتبة لـم تـزل قائمة في حينه، ولا تزال تروج للكتب المخلة بالآداب الإسلامية المليئة بالطعن على الدين، والقذف في حق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والتعريض بأزواجه، ممـا أثار سخط مسلمي حي «باب العامود»، والأحياء المجاورة له، وكل من يشهد سوق ذلك الحي من القادمين من الأحياء الأخرى، فقام السكان بتنظيم مضبطة من ثلاث نسخ بتاريخ 29 صفر 1347 مقدمة للحكومة تطالب بإغلاق تلك المكتبة، وأخرى بتاريخ 2 ـ ربيع أول ـ 1347ﻫ، مقدمة إلى حاكم القدس الإداري ليرفعها إلى السكرتير العام لحكومة فلسطين، وثالثة مقدمة بتاريخ 4 ـ ربيع أول ـ 1347ﻫ لمدير شرطة القدس، بمساندة الشيخ «الأصفهاني»، الذي طالب الشرطة في النسخة الثالثة بمصادرة كل ما في تلك المكتبة من كتب تطعن بالدين الإسلامي، وإتلافها، وكذلك بإزالـة هـذه المكتبة مـن سوق بـاب العامود ونقلهـا بعيداً عن أحياء المسلمين، وإنزال العقاب الصـارم بوكيـل هـذه المكتبة ومجازاتـه، وقد أرسل الشيخ ملحقاً بالاعتراض يشتمل على بعض أسماء الكتب الموجودة في تلك المكتبة، مبيناً الصفحات التي تمتلئ تهجماً وطعناً في الإسلام.
وأما اعتراض السكان المرفوع إلى الحكومة، فقد أرسل باسم سكان حي «باب العامود» والأحياء المجاورة، والمحيطة به، وقد احتجوا فيه على افتتاح إحدى جمعيات التنصير البروتستانتية فرعاً لها في وسط حي «باب العامود» باسم «مكتبة النيل المسيحية»، واعترضوا فيه على أعمالها التي تهدف من خلالها إلى تضليل العامة، وغواية الجهلة من أبنـاء المسلمين، وتضمن الاعتراض المقدم من قبل السكان، أن هذا الحي لا يسكن فيه أحد سوى المسلمين، وأن هذه المكتبة لا تبيع إلا الكتب المشحونة بالطعن على الإسلام، وأن هـذا السوق مكتـظ دائماً بالقادميـن مـن البدو، والفلاحين، وغيرهم، وكلهم من المسلمين، ولذلك فقـد حمـل البيان مطالبة السكان بشدة للمسارعة بإزالة هذه المكتبة، أو إبعادهـا عـن أحيـاء المسلمين، ومساكنهم، تجنباً لما قد يتبع ذلك، مما لا يحمد عقباه، وقد حملت هذه المطالب تواقيع مجموعة من المعترضين([40]).
كان هذا بعض نشاط علماء المسلمين، ودعاتهم، ورحلاتهم في سبيل القضاء على التنصيـر، ومـا أحوجنا الـيوم إلى أمثال هؤلاء، ممن يتفقدون مواطن التنصير، وأعمال المنصرين، لمواجهتهم، وكشفهم، والتحذير منهم قدر المستطاع.
28 ـ مـن أهـم الأعمال الناجحة للمجلس الإسلامي الأعلى ضد المنصرين عام 1347 ـ 1349ﻫ:
ـ إغلاق مدرستين تنصيريتين في القدس.
ـ مطاردة المنصرين في أسواق القدس وعلى الطرقات وفي الكنائس، والقيام بكشف زيفهم وفضحهم، الأمر الذي أيقظ المسلمين من غفلتهم مما أدى إلى إغلاق ثلاثة معاهد تنصيرية كان يتردد عليها المسلمون.
ـ إغلاق مدرسة تنصيرية في جنين، وثانية في الناصرة، وأخرى في الخليل.
ـ سحـب بعض أبناء المسلمين من المدارس التنصيرية، في عدة قرى، وفي مدينة الناصرة.
ـ سحب بعض بنات المسلمين من المدارس التنصيرية في حيفا.
ـ تدارك عدة عمليات تنصيرية قبل وقوعها في القدس([41]).
29 ـ من أهم أعمال المجلس الإسلامي الأعلى بين عامي 1349ﻫ ـ 1350ﻫ:
ـ إعادة بعض المتنصرين من غزة، وحيفا، إلى الإسلام بعد تنصرهم.
ـ التمكن من تقليل عدد الطلاب المسلمين الملتحقين بالمدارس التنصيرية، نتيجة وعـي أوليـاء أمورهم، بأن هذه المدارس ما أنشئت في بلاد المسلمين إلا لتفسد عليهم دينهم، وتسلب منهم أوطانهم.
ـ ازدياد إقبال الشباب على أداء صلاة الجماعة في المساجد([42]).
30 ـ نشر كتاب بعنوان «إرشاد الحياري في تحذير المسلمين من مدارس النصارى»، وهو من تأليف العالم الفاضل الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني رئيس محكمة الحقوق في بيروت، ويقع الكتاب في ثماني وستين صفحة، ويشتمل على مقدمة وأربعين فصلاً، وضح فيها المؤلف الآثار التي تنجم عن إدخال أولاد المسلمين في مدارس النصارى، وما يقع على الأبوين من مسئولية تجاه أبنائهم، إذا هم تركوهم بين أيدي المنصرين([43]).
ومـا أحوج المسلميـن اليـوم لإعادة نشر مثل تلك الكتب، والنشرات الأخرى التي سبق ذكرها، لتعيد الوعي بين المسلمين بمخاطر التنصير، وخاصة تعليم الأولاد في المدارس التنصيرية.
كان ذلك هو الموقف الحق المطلوب من المسلم الصلب الراسخ في عقيدته، المسلم الذي يتغذي من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، لقد كان المسلمون يعتزون بدينهم ويدافعون عنه، كانوا لا يخافون في الله لومة لائم... لم يشعروا بالتخلف إذا هم اعتمـدوا التاريـخ الهجري وقدمـوه على غيره من التقويمات … كانوا يراسلون أعلى المناصب الاستعمارية في البلاد… يعترضون، ويحتجون، ويقولون لماذا فعلتم، وبماذا أجبتم، كانوا يطالبون بإجراء خطوات إيجابية لصالح الإسلام، والمسلمين، وحتى لو لم يجابوا إلى طلبهم، فالمهم أنهم تحركوا، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كان أساس عملهم البحث والتنقيب عن أوكار التنصير، للقضاء عليها بكل وسيلة، هذا ما فعله أجدادنا؟ فماذا فعلنا نحن؟ لقد عملوا ونحن اكتفينا بالكلام، وشتان بين العمل والقول! لقد استخدمـوا أيديهـم، وعقولهـم، وأرجلهـم، وألسنتهم، وأقلامهم، ورسائلهم، وجميع صلاحياتهم، ونحن اقتصرنا على إلقاء الخطب والشعارات والتحذير من خلال الندوات والمحاضـرات، والكتابـات، والإعـلام، ولن نصل إلـى طريق النجاح في القضاء على التنصير إلا إذا قُضي عليه من جذوره، فلو أن حريقاً شب في مكان ما، وأخذالمخلصون يقولون احذورا هذا الحريق، فإنه سيهلك الأخضر واليابس، عليكم بجلب الماء لإطفائه، عليكم بمحاصرته ومنع انتشاره، احذروا من الاقتراب منه، وهكذا لن يزول خطر هذا الحريق إلا إذا انبرى من يواجهه، و يقوم بإطفائه فعلاً، عندها ينتهي خطره.
ومـع ذلك فهـذا لا يعني عدم قيام بعض المسلمين بإكمال المسيرة، والدفاع عن الإسلام، والعمل من أجل القضاء على التنصير، وأهم تلك الأعمال:
قيـام مجموعة مـن مفكـري الإسلام بالكتابـة الهادفة للكشف عن زيف دعوى المنصرين حيث بينوا مفهومه، وشرحوا أهدافـه، وعرضـوا وسائلـه، وقاموا بالتحذير منه، وذلك بصورة عامة في دول العالم الإسلامي، وأحياناً كانت تخصص الكتابة لبيان حركة التنصيـر في دول معينة، وقد اعتمدت الباحثة على تلك المؤلفات في توثيق المادة العلمية، ولا مجال لذكر أسماء تلك المؤلفات، لسبق التعرض لتوثيقها، وبيان ما فيها من خلال البحث.
كما تساهم معظم الجامعات الفلسطينية بصورة عامة، بالتحذير من أعداء الإسلام، ومـن بينهـم المنصرون مـن خلال مناهج متطلبات الجامعة، حيث تقوم بتدريس مادة بعنوان حاضر العالم الإسلامي، أو ثقافة إسلامية، أو الغزو الفكري، ونحو ذلك من مسميات مختلفة تحمل كلها نفس المضمون، كما تركز الجامعة الإسلامية بغزة بصورة خاصة على بناء الشخصية المسلمة باعتمادها نظام الفصل بين الطلاب والطالبات، مخالفة بذلـك، لما زرعه المنصرون والمستشرقون، والمستعمرون، في قلوب، وعقول المسلمين، من أن التقدم، والتطور لا يكونان إلا باختلاط الجنسين في جميع مجالات الحياة، والحق أنه لن يتحقق التقدم والتطور إلا باتباع المنهج الإسلامي القويم، لذلك تعتمد الجامعة منهجاً متكاملاً، يجعل خريجي تلك الجامعة متميزين محصنين ضد الشبهات التي يلقيها أعداء الإسلام، نتيجة تفنيدها من خلال المناهج الجامعية، والندوات، والمؤتمرات التي تعقـد فـي الجامعة، ولا يُنقـص اختصاص الجامعـة الإسلامية بتلك الميزة، من جهود الجامعات الأخرى في نفس المجال، إلا أن بعض الجامعات لها رؤى أخرى في اعتماد المناهج الجامعية.
وأمـا المدارس الإسلامية فقـد بـدأت تنتشر فـي كثيـر من مدن فلسطين، تقوم بتوجيه وتربية طلابها، وطالباتهـا، وفـق منهجيـة عقائديـة صحيحة، بشكل يجعل من الصعب أن يؤثر أي ضغط خارجي على خريجيها فيما بعد، كما تساهم بصورة أخرى في حماية أبناء المسلمين، وبناتهم، من الالتحاق بالمدارس الأجنبية التنصيرية، ومع ذلك فهي لا تعمل ضد التنصير بصورة مباشرة، فلا تحذر مثلاً من مخاطر المدارسالتنصيرية عندما تذكر مميزات المدارس الإسلامية، كما لا تحاول أن تجذب أبناء المسلمين الملتحقين بتلك المدارس، للإقبال على المدارس الإسلامية، ونحو ذلك.
وكذلـك الأمـر بالنسبة للمؤسسات الإسلاميـة الاجتماعية الخيرية، والشبابية، والثقافيـة، فهـي تظهر الصورة المشرقـة للإسلام فـي تعاونه، وعطائـه، وتكامله أمام المترددين على تلك المؤسسات، ولكنها لا تجد الدعم الكافي، لأن تقضي على نشاطات المنصرين فـي تلك المجالات، فالإغاثات التنصيرية لها ميزانية دولية تؤخذ من رواتب الموظفين، ومن هبات المتطوعين، في حين أن الإغاثات الإسلامية ميزانياتها محدودة، وإذا وجدت الدعم المنظم حوصرت، ومن جهة أخرى لا تقوم المؤسسات المتخصصة منها، بتجنيد متطوعين يقومون بكشف زيف مساعدات المنصرين، وأنشطتهمالأخرى، والبحث عن المسلمين الذين يستفيدون من مساعدات المنصرين، والذين يبحث عنهمالمنصرون في كل مكان ويجذبونهم إلى خدماتهم باسم المسيح، وجمعياتنا الإسلامية تنتظر من المحتاج أن يأتي إليها أو تبحث عنه أحياناً، أما أن تراقب المترددين على الجمعيات التنصيريـة فلا أو أن تصدر إعلاناتها محذرة من مخاطر خدمات المنصرين، إضافة لبيان تميز نظام التكافل الإسلامي، وتكامل النظام الإسلامي فلم يحصل مثل هذا.
وأما المستشفيات فلا يوجد بصفة كاملة مستشفى إسلامي يحمل الرحمة، والرأفة، والشفقة لمرضاه، ويتميز بالتكامل في جميع التخصصات، وبتميز، وكفاءة الأجهزة،والإمدادات الطبية اللازمة، ومع وجود بعض العيادات الطبية، أو المستشفيات المتخصصة فـي جانب مـن جوانـب تقديـم الخدمات الطبية، إلا أن هذا غير كاف، فالمستشفيات التنصيرية قد أخذت ثقة ودعماً بين المرضى نظراً لحسن المعاملة وتواصل الدعم المادي، وحتـى المستشفيات الحكوميـة، أو الخاصة فمهمـا وصلـت التجهيـزات فيها إلى أعلى الدرجات، إلا أن الطواقم الطبية المخولة باستخدامها بحاجة إلى دورات، ومتابعة لأحدث ما وصل إليه الطب، هذا في حال وجود الأجهزة الحديثة في بعض المستشفيات فكيف؟ وأغلب المستشفيات في عجز شبه تام عن متابعة أحدث ما وصل إليه العلم في ظل وجود الاستعمار.
وبـدأ الإعلام يلعب دوراً هاماً فـي تلـك المواجهـة لسهولـة انتشاره، وسهولة الوصول إليه، وخاصة الفضائيات التي تناولت في أكثر من مرة دراسة حول التنصير في بلد معين من بلدان العالم الإسلامي، وكذلك شبكة المعلومات الدولية، فقد أحسن بعـض المخلصين فـي التصـدي للكتابة عـن التنصير، مدعمة بالأقوال والمواقف التي شاهدوها، كما أكثروا مـن ذكر قصص للنصارى المنصرين الذين أسلموا بعد رحلات طويلة في مجال التنصير، وكذلك فتحت بعض المؤسسات الإسلامية على تلك الشبكة مواقع ثابتة لعرض كـل التطورات في مجال التنصير، وأخباره في العالم الإسلامي وغير الإسلامي، إضافة إلى ذكر شروحات قوية ودقيقة وواضحة للعقيدة النصرانية تكش